التحذير من الأكل والشرب بالشمال، وما جاء في النهي عن النفخ في الإناء والشرب من في السقاء ومن ثلمة القدح
عن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: "لا يأكُلنَّ أحدكم بشمالهِ، ولا يشْرَبَنَّ بها، فإنَّ الشيطانَ يأكلُ بشمالِهِ ويشربُ بِها".
قال: وكان نافعُ يزيد فيها : "ولا يأخُذْ بها، ولا يُعْطِ بها" .
رواه مسلم في كتاب الأشربة برقم (2020) ، والبخاري في الأدب المفرد برقم (1089) ، والترمذي بدون الزيادة .
وعن أبي هريرة t ، أن النبي r قال : "ليأكل أحدُكم بيمينه، وليشرب بيمينه، وليأخذ بيمينهِ، وليُعْطِ بيَمينهِ، فإن الشيطان يأكل بشمالِهِ، ويشرب بشِمالهِ، ويُعطي بشِمالهِ، ويأخذ بشِمالِه" .
قال الألباني رحمه الله : "صحيح لغيره"الترغيب(214) والصحيحة(1236) .
قال ابن الجوزي: لما جُعلت الشمال للاستنجاء ومباشرة الأنجاس، واليُمنى لتناول الغذاء، لم يصلح استعمال أحدهما في شغل الأخرى لأنه حطاًّ لرتبة ذي الرتبة، ورفع للمحطوط، فمن خالف ما اقتضته الحكمة وافق الشيطان.أ.هـ كشف المشكل (2/594) .
وعن ابن عباس t الله عنهما:
"أن النبيrنهى أن يُتَنَفَّسَ في الإناءِ، ويُنفَخَ فيهِ". رواه أبو داود وقال: "حديث حسن صحيح"، وصححه الألباني في الترغيب (2117) .
ورواه ابن حبان في صحيحه ولفظه: "أن رسول الله r نهى أن يشربَ الرجلُ مِنْ فِي السقاءِ، وأن يَتَنَفَّسَ في الإناءِ".صحيح الترغيب (2/494) .
قال الحافظ: "وروى البخاري ومسلم والترمذي والنسائي النهي عن التنفس في الإناء من حديث أبي قتادة" أ.هـ.
وعن أبي سعيد الخدري t قال: "نهى رسول الله r عن اخْتِناثِ الأسْقِيَة، يعني أن يُكْسَر أفْواهُها فيشرَبَ مِنها" .
رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (5625) ، ومسلم في كتاب الأشربة برقم (2023) .
وعن أبي هريرة t، "أن رسول الله r نهى أن يُشرَب مِنْ فِي السقاء"رواه البخاري في كتاب الأشربة برقم (562) .
وزاد الحاكم: فأنبئت أن رجلاً شرِبَ من في السقاء فخرجت حية.
وعن أنس t: "أن النبي r كان يَتنفَّسُ في الإناءِ ثلاثاً. ويقول: "هو أَمْرأُ وأرْوَى" . رواه الترمذي وقال: "حديث حسن غريب". وصححه الألباني في الترغيب برقم (2119) .
وعن أبي سعيد الخدري t: "أن النبي r نهى عن النفخ في الشراب".
فقال رجلٌ: القذاة أراها في الإناءِ ؟ فقال: "أهرقها".
قال: فإني لا أروى من نَفَسٍ واحدٍ ؟
قال: "فَأبِنِ القَدحَ إذاً عَنْ فيكَ ثم تَنَفَّسْ" . رواه الترمذي برقم (1887) وقال : "حديث حسن صحيح"، وأحمد برقم (10819) ، ومالك (171) واللفظ له. وحسنه الألباني في "الترغيب" برقم (2115)، والصحيحة برقم (386).
وعنه t قال: "نهى رسولُ الله r عن الشُّرب مِنْ ثُلْمَةِ القدَحِ، وأن ينفُخَ في الشَّراب" . أخرجه أبو داود في الأشربة برقم (3722) ، وأحمد في المسند برقم (11760 / 4). وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" رقم (387،2689) ، و"صحيح الجامع" رقم (68 ، و"صحيح لغيره" الترغيب رقم (2116) .
قال الألباني رحمه الله : "ثلمة القدح" أي : موضع الكسر منه ، كما جاء مصرحاً بذلك في حديث آخر ، والظاهر أن ذلك لما قد يخشى أن يتجمع في الثلمة من الأوساخ والجراثيم فيتسرب شيء منها إلى الجوف إذا شرب منها ، فالنهي طبي دقيق ، والله أعلم. انظر الحديث (2689ـ الصحيحة) .أ.هـ . صحيح الترغيب (2/294).
وعن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال : قال رسول الله e : "إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء وإذا أتى الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه ولا يتمسح بيمينه" . رواه البخاري برقم (152) ، ومسلم برقم (267) .
وعن ثمامة عن أنس: "أن النبي r كان يتنفس في الإناء ثلاثاً" .
رواه مسلم، ورواه الترمذي وقال: "هذا حديث حسن صحيح" (1885) .
قال الحافظ عبد العظيم: "وهذا محمول على أنه كان يبين القدح عن فيه كل مرة، ثم يتنفس كما جاء في حديث أبي سعيد المتقدم، لا أنه كان يتنفس في الإناء" أ.هـ.
قال العلامة ابن قيم الجوزية : وهذا من الآداب التي تتِمُّ بها مصلحةُ الشارب، فإن الشُّرب مِن ثُلمة القدح فيه عِدَّةُ مفاسد:
أحدها: أن ما يكون على وجه الماء من قذى أم غير يجتمع إلى الثُّلمة بخلاف الجانب الصحيح.
الثاني: أنه ربما شوَّش على الشارب، ولم يتمكن مِن حسن الشرب من الثلمة.
الثالث: أن الوسخ والزُّهومة تجتمعُ في الثلمة، ولا يصل إليها الغسل، كما يصل إلى الجانب الصحيح.
الرابع: أن الثلمة محلُّ العيب في القدح، وهي أردأ مكان فيه، فينبغي تجنُّبه، وقصد الجانب الصحيح، فإن الرديء من كل شيء لا خير فيه، ورأى بعض السلف رجلاً يشتري حاجة رديئة، فقال: لا تفعل أما عَلمتَ أن الله نزع البركة من كل رديء.
الخامس: أنه ربما كان في الثلمة شق أو تحديد يجرع فم الشارب، ولغير هذه من الفاسد
وأما النفخ في الشراب، فإنه يُكسِبُه من فم النافخ رائحة كريهة يُعاف لأجلها، ولا سيما إن كان متغير الفم.
وبالجملة فإن أخلاط النافخ تُخالطه، ولهذا جمع رسول الله e بين عن التنفس في الإناء والنفخ فيه في الحديث الذي رواه الترمذي وصححه، عن ابن عباس t، قال: "نهى رسول الله r أن يُتنفسَ في الإناء، أو ينفخ فيه". أخرجه أحمد في المسند (1907 / 1)، وأبو داود برقم (372 ) ، والترمذي برقم (188 ) ، وابن ماجة برقم (3429)، والدارمي برقم (2134). صححه الألباني في "صحيح الجامع" برقم (6820)، و"الإرواء" رقم (2037) .
وقد روى مسلم في (صحيحه) : من حديث جابر بن عبد الله قال : سمعت رسول الله e يقول : "غطوا الإناء وأوكوا السقاء فإن في السنة ليلة ينزل فيها وباء لا يمر بإناءٍ ليس عليه غطاء، أو سقاء ليس عليه وكاء إلا وقع فيه من ذلك الداء" . أخرجه مسلم في الأشربة برقم (2014) .
وهذا مما لا تناله علوم الأطباء ومعارفهم، وقد عرفه من عقلاء الناس بالتجربة. قال الليث ابن سعد أحد رواة الحديث: الأعاجم عندنا يتقون تلك الليلة في السنة في كانون الأول منها. وصح عنه أنه أمر بتخمير الإناء ولو أن يعرض عليه عوداً عن جابر بن عبد الله tقال : قال رسول الله e: "إذا كان جنح الليل ، فكفوا صبيانكم، فإن الشياطين تنتشر حينئذ، فإذا ذهب ساعة من الليل، فخلوهم وأغلقوا الأبواب، واذكروا اسم الله، فإن الشيطان لا يفتح باباً مغلقاً، وأوكوا قربكم واذكروا اسم الله، وخمروا آنيتكم واذكروا اسم الله ولو أن تعرضوا عليها شيئا، وأطفئوا مصابيحكم". أخرجه البخاري في الشرب (10/77).
وفي عرض العود عليه من الحكمة أنه لا ينسى تخميره بل يعتاده حتى ولو بالعود، وفيه: أنه ربما أراد الدبيب أن يسقط فيه، فيمر على العود فيكون العود جسراً له يمنعه من السقوط فيه.
وصح عنه: أنه أمر عند إيكاء الإناء بذكر اسم الله، فإن ذكر اسم الله عند تخمير الإناء يطرد عنه الشيطان، وإيكاؤه يطرد عنه الهوام، ولذلك أمر بذكر اسم الله في هذين الموضعين لهذين المعنيين.
وروى البخاري في "صحيحه" من حديث ابن عباس t ، أن رسول الله e "نهى عن الشرب من في السِّقاء" أخرجه البخاري في الشرب (10/79) .
وفي هذا آداب عديدة منها: أن تردد أنفاس الشارب فيه يُكسبه زهومة ورائحة كريهة يعاف لأجلها.
ومنها : أنه ربما غلب الداخل إلى جوفه من الماء ، فتضرر به .
ومنها : أنه ربما كان فيه حيوان لا يشعر به ، فيؤذيه .
ومنها : أن الماء ربما كان فيه قذارة أو غيرها لا يراها عند الشرب، فتلج جوفه.
ومنها أن الشرب كذلك يملأ البطن من الهواء، فيضيق عن أخذ حظه من الماء، أو يزاحمه، ولغير ذلك من الحكم.
سحاب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق